حققت الإمارات من خلال الاحتفاظ بتراثها الأصيل الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، وبما تشهده من طفرة حضارية في كافة المجالات، المعادلة الصعبة لدولة وضعت أقداما في مصاف الدول المتقدمة التي يشار إليها بالبنان .
وبشأن هذا الموضوع المهم ، هناك دوما تساؤلات تفرض نفسها.. كيف تقاس ثقافات الشعوب وكيف ينظر الآخرين الى تقدم بلد وتأثير هذا البلد على الآخرين؟ .. وهنا نتسائل كيف تفتح الإمارات نافذة قوية ومؤثرة تطل من خلالها على العالم بتقديم تراثها الجميل الذي أشاد به القاصي والداني ، وكيف تمزج ذلك التراث مع الحاضر وتمضي الى الأمام ؟ وكيف يمكننا أن تقديم صورة جميلة وحقيقية عما يملكه هذا البلد من تاريخ يستحق التقدير وأن يعرفه الغير خصوصا من الجنسيات الأجنبية ؟ .
برأيي النوايا فقط لا تكفي ، ولا التمني ولا الرجاء، بل الاجتهاد والعمل وبلورة أفكار نستلهمها من تاريخنا ونسير من خلالها الى المستقبل. وبدلاً من ان نظل نتأثر بالآخرين فقط، نحاول التأثير عليهم بما لدينا من تاريخ وأرث حضاري. العالم صار قرية صغيرة كما يقولون، لذا فإن دورنا بات مؤثرا ، والطريق مفتوح أمامنا للسير وتحقيق الطموحات التي نسعى اليها.
من هنا تضمنت ندوة الثقافة والعلوم جلسة حوارية افتراضية بعنوان “تراث الامارات العربية المتحدة في المشهد العالمي ” والتي اشترك فيها د.عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقه للتراث ود.عائشه بالخير مستشارة البحوث للأرشيف الوطني ، وأدار الجلسة الشاعر خالد البدور ، وتركز النقاش على التعريف بالدور الذي يلعبه التاريخ ليس لبناء الحاضر فقط ، بل والمستقبل أيضاً .
التراث العربي
قد يتبادر إلى الذهن، إن ما قصدته بالتراث هو ما تركه الأجداد من صور أو نقوش أو مصنوعات ترجع لحرف أصيلة ، لكن ذلك كله ليس هو المقصود بما نطرحه للنقاش ، وقد يكون هذا الخلط بسبب التسمية التي أطلقها الكثيرون مع الأسف على بعض ما ينتمي للتراث وتناسي قيمة التراث الحقيقي الذي يمتد للإنسان ..
وفي ندوة “تراث الامارات العربية المتحدة في المشهد العالمي ” استمتعت بحديث د.عائشه بالخير التي غاصت بنا في رحلة جميلة عن المعني الحقيقي للتراث ، نعم هكذا كان العرب وفي وقت ليس بعيد، ينظرون الى الأعمال التراثية في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على أنها جزءا مهما من تكوين الشخصية ..
والأزياء خير لسان يُعبر عن الأمة وعاداتها وتقاليدها وتراثها، ومن خلال الملابس نعرف طبقة الشخص الاجتماعية وبيئته ومنزلته.. كما إنها تعبر عن تراث الأجيال عبر حقب مختلفة.
تتميز ملابس المرأة الإماراتية بالبساطة، وبالذوق والتناسق في الألوان والأشكال وارتداء ما يناسب البيئة ويتماشي مع العادات والتقاليد العربية والإسلامية.
أيضا ” الصقور” لها دورا مهما في تاريخ الشعوب العربية وحضارتها الأصيلة وموروثها العريق خاصة في دولة الإمارات ودول الخليج ، ومنذ أن عرف الإنسان هذا الطائر الفريد بشكله ونوعه وفصيلته وخصائله حتى أصبح رمزا للقوة والرفعة والصبر والشجاعة ، وصار يذكر في كثير من القصائد العربية التي تغزلت بجمال عينيه وحدتها وضربت الأمثال بقوته الخارقة.
تراث زاخر
وتعد رياضة القنص بالصقور من أشهر أنواع الرياضات التي عرفها الآباء والأجداد في دولة الإمارات والجزيرة العربية منذ أزمنة بعيدة وتوارثها الأبناء ، حيث يعتبر العرب أول من عرفوا هذه الرياضة التي تعتبر من الهوايات المفضلة في حين تعد دولة الإمارات الدولة الأولى عالميا التي أصدرت جواز سفر للصقور وأنشأت مستشفى خاصا لها عام 1983 في دبي لتتكامل بذلك الجهود الرسمية والشعبية في إعطاء هذه الرياضة التي تربط الإماراتيين بحياة آبائهم وأجدادهم.
دور الخرافة
“ابورجل مسلوخة”، “أبوكيس”، “خطاف رفاي”، “أم الدويس”، “الغولة”، وغيرها من أشباح التخويف والعبارات التي لجأت اليها الامهات والجدات لاخافة أطفالهن، ليست وليدة الثقافة العربية فحسب، بل هي موجودة ايضا في التراث الشفوي لشعوب اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وشرق اسيا.
وفي استطلاع اجرته «الإمارات اليوم» رصدت فيه تأثير تلك العبارات في مخيلة الاطفال في كبرهم، تبين أن بعضهم حاول تصور تلك الشخصيات الوهمية ورسم صورة لها، وأن اخرين وجدوا في تلك الشخصيات تحدياً لذكائهم فذهبوا لضرورة محاربتها حتى لا تسيطر عليهم، والبعض مازال يستخدم تلك العبارات مع ابنائهم في ايامنا هذه.
«الغول» او «الغولة» التي كانت الأمهات يرهبن به أبناءهن في الثقافة الشعبية العربية وحتى الاجنبية، عادة ما يسكن في مغارة القرية أو بستانها أو حتى الغرفة المظلمة من المنزل، اما بالنسبة لـ«أبوكيس»، فقصته تتمحور حول الكيس نفسه وما يستطيع ان يحويه، لذا ففكرته مرعبة بأن يشعر الاطفال انفسهم داخل ذلك الكيس، و«أبورجل مسلوخة» فكرته مأخوذة من شخصية القرصان الذي لديه رِجل من خشب، ودائماً ما يكون أعور ويكون منظره مخيفاً، وبكلمة ثانية، تشبّع ذلك الطفل بالخرافة، وتالياً تشبّعت مخيّلته بالأسطورة التي ينتجها أناس عاديون أو متخيّلون.
ومن يعش طفولة مبكّرة بكل هذه التكوينات الخرافية، ماذا تتوقع أن يؤول إليه على صعيد الكتابة ؟ فإما أن يكون روائياً أو شاعراً، بل يمكن أن يصبح رسّاماً يستلهم أشكال الكائن الخرافي ويرسمه بالكثير من التأني الممزوج بالخوف.
لكن د. عبد العزيز المسلم ذهب في جزء من تكوينه الثقافي إلى الشعر الشعبي، غير أن مشروعه الأكثر حميمية، كما يبدو، بالنسبة إليه هو البحث في السرديات الحكائية الشعبية، ومنها الكائنات الخرافية.
ما من شاعر أو قاصّ أو روائي أو حتى رسّام أو مسرحي إماراتي وعربي قرأ «موسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي» للباحث د. عبد العزيز المسلم مدير معهد الشارقة للتراث إلا واستلهم منها الكثير .
القهوة العربية
كما تعتبر القهوه من تراث الامارات ، وترمز القهوة العربية إلى الكرم وحسن الضيافة التي يتميز بها المجتمع الإماراتي؛ ممّا جعلها متأصلة بقوة في التقاليد الإماراتية.
ونظراً للأهمية الثقافية والتراثية التي تحظى بها القهوة العربية، قامت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بإدراج القهوة العربية عام 2015 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو.
والإمارات دوله صانعه للتراث وأصبحت الآن من أعظم دول العالم التي يضربها المثل في التقدم والرقي بجانب الحفاظ على التراث.. ولديها فنون عدة منها فن العمارة الذي أدخل عليه التكنولوجيا وصارت كافة المدن الإماراتية عبارة عن لوحات جميلة من الفن المعماري الممزوج بين الأصالة والمعاصرة.
أيضا التراث البحري تراث غني أيضاً لأن طبيعة العلاقة مع البحر شملت قطاعاً كبيراً من أبناء الإمارات شأنهم في ذلك شأن أبناء دول الخليج العربي، فقد ارتبطت حياة السكان به ارتباطاً وثيقاً، فهو مصدر الرزق ومصدر الحياة، فكان بذلك مصدراً أيضاً لكنوز من المرويات والحكايات والأهازيج صورت علاقة الناس بالبحر والعيش في رحابه.
التراث البحري متعدد لأن البحر يعتبر المصدر الأساسي للحياة، فقد كانت جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية تدور حوله، ولم تكن المناشط الاقتصادية والاجتماعية الأخرى إلا مكملة له أو مرتبطة به، فالأثر الذي تركه على مختلف نواحي الحياة في المنطقة كان عميقاً، وسجلت الذاكرة الجمعية الشعبية في الإمارات صورا متعددة لهذا الأثر الذي لابد من توثيقه ونقله من الذاكرة المخزونة في نفوس كبار السن إلى الكتاب ليظل مرجعا للأجيال المتتالية.
التراث البحري يمثل مادة مهمة لأنه التراث الغالب على منطقة الخليج العربي والغاية من الكتاب هو حفظ التراث أولاً وتقديمه للأجيال ثانياً، للتمسك بعاداتنا وتقاليدنا وهويتنا العربية والإسلامية.